روائع مختارة | واحة الأسرة | أولاد وبنات (طفولة وشباب) | الشباب في ديوان.. الشعر العربي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > أولاد وبنات (طفولة وشباب) > الشباب في ديوان.. الشعر العربي


  الشباب في ديوان.. الشعر العربي
     عدد مرات المشاهدة: 3708        عدد مرات الإرسال: 0

من الحقائق التي حملها التاريخ وسرت مسرى الأمثال قولهم (العرب أمة شاعرة) وكذلك قولهم (الشعر ديوان العرب). ولا عجب في ذلك، فهم من أكثر الأمم شعراء، وشعراؤهم من أغزر الناس شعرًا.

وقد حفظ الشعر تاريخ العرب وأيامهم، وعاداتهم وتقاليدهم: في أفراحهم وأتراحهم، في منشطهم ومكرههم، في سرّائهم وضرائهم، وكان الشعر بحق هو مثلهم الأعلى تصويرًا وتعبيرًا.

وفي دروب (ديوان العرب) نعيش مع ما جادت به قرائح الشعراء في (الشباب). . .

والشباب، كما يقولون، هو ربيع العمر؛ لأنه يمثل الفترة الزمنية الزاهية في حياة الإنسان إنه مرحلة القوة والفتوة.

وهو مرحلة الحماسة والتوهج.

وهو مرحلة النشاط والتوقد.

وهو مرحلة التفتح والنباهة.

لذلك قال أحد بلغاء العرب القدامى:

"الشباب باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله، كما أن أطيبَ الثمار بواكيرها، وما بكت العربُ على شيء كما بكت على الشباب، وما بكى الشعراءُ من شيء كما بكوا من المشيب ".

إن أول من يطالعنا من الشعراء في ديوان العرب هو الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، الذي نسمعه معتزًا بشبابه، مفتخرًا بقوته وفتوته:

أنا الفتى الضرب الذي تعرفونه. . . . خشاش كرأس الحية المتوقد

ويقول الشاعر:

إذا قيل: من فتى؟ خلت أنني. . . . عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

والإنسان ما تمنى أن يدوم شيء في حياته كتمنيه دوامَ الشباب، بما فيه من نضرة وحيوية، وقدرة على تذوق مباهج الحياة، فلا عجب أن يقول الشاعر اللبناني فؤاد عمون:

سـ لام عـ ليك زمــ ان الشــ باب. . . . ربـ يـ ع الـ حـ يـ اة بآذارهــ ـ ا

لأنـ تَ مـ خــ فــ ـ فَ أحــ ـ زانِــ هـ ا. . . . وأنـ ت مـ سـ وغ أكـ دارهــ ا

ولولا الشبابُ وذكرى الشباب. . . . لعاشَ الفتى عمره كارهًا

وإذا كان الشباب كما يرى الشاعر فؤاد عمون هو ربيع الحياة، ومخفف أحزانها، ومانح القدرة على تحمل أكدارها ومتاعبها. فإن ابن الرومي يبرز فضيلة أخرى من فضائل الشباب، وحسنة من حسناته خلاصتها: أن الشباب بذكرياته الطيبة الممتعة يغرس في نفس الإنسان الولاء والحب لوطنه، والتعلق الدائم بداره، يقول ابن الرومي:

ولـ ى وطــ ـ ن آلــ ـ يت ألا أبيــ عه. . . . وألا أرى غيري له الدهر مالكا

عهدتُ به شرخ الشباب ونعمةً. . . . كنعمةِ قومٍ أصبحوا في ظلالـ كا

وحبب أوطـ ان الرجـ ال إليهـ مو. . . . مـ آرب قضـ اها الشباب هنالـ كا

إذا ذكـ روا أوطانهـ م ذكرتهمــ و. . . . عهـ ود الـ صــ ـ با فحــ نـ وا لـ ذلكا

ويتركنا ابن الرومي لنلتقي في (ديوان العرب) بالشاعر الفارس الأسير أبي فراس الحمداني، في قصيدة يعاتب فيها ابن عمه سيف الدولة أمير حلب، لتأخره في افتدائه من الأسر، ويذكر ابن عمه بشبابه الذي قدمه وأضناه في مدافعة أعدائه ومواجهتهم:

وهـ بت شبابي والشباب مضـ نة. . . . لأبـ لـ ج مـ ن أبنــ اء عمي أروعــ ا

 أبيـ ت معنى من مخــ افة عــ تبه. . . . وأصبح محزونًا، وأمسي مروعا

فـ لما مضى عصر الشبيبة كـ له. . . . وفـ ارقـ ني شــ رخُ الشــ باب مودعا

تطلبت بين الهجرْ والعتبْ فرجة. . . . فحـ اولـ ت أمــ رًا لا يُــ رام ممــ نعا

ويقرأ الشاعر أحمد شوقي قول من يقول إن الشيب رمز الحكمة، والرفعة، فيرفض هذه المقولة ويتصدى لها بقوله:

وما الشيب من خيل العلا فارْكب الصبا. . . . إلى المجد تركـ ب متن أقــ در جوال

يســ ـ ن الشــ ـ بابُ البــ أسَ والجـ ود للـ فتى. . . . إذا الشيب سن البخل بالنفس والمال

لذلك عاش شوقي وفيًّا لشبابه، يسترجع ذكرياته، ويستدعي بروحه أحلامه، وحلاوته، بعد أن علاه الشيب، وزحف إليه خريف العمر:

خلق الشباب ولا أزال أصـ ونه. . . . وأنا الـ وفي مودتي لا تخـ لق

صاحبته عشرين غير ذميمةٍ. . . . حالي بها حالٌ وعيشي مونق

ويلتفت بالحديث إلى قلبه قائلاً:

قلبي ادكــ ـ رت اليوم غــ ير موفـ ق. . . . أيام أنت مع الشــ باب موفــ ق

فخفقت من ذكرى الشباب وعهده. . . . لهفي عليك: لكل ذكرى تخفق

كم ذبت من حرق الجوى واليوم من. . . . أسف عليه وحسرة تتحرق

هــ ـ ل دون أيام الشـ بـ يــ بة للـ فــ تى. . . . صفـ و يحيط به وأنـ س يحــ دق

ولكن الشريف الرضي ينظرُ إلى الشباب من زاوية أخرى فيرى أن من مساوئ الشباب، وبتعبير أدق: من مساوئ الإنسان أنه في شبابه يغفل عنه، ويفرط فيه، ولا ينتفع بمحاسنه على الوجه الأكمل، ومن أسف أنه لا يتذكر جنايته هذه في حق شبابه إلا في مشيبه وشيخوخته، ولاتَ حين مندم:

لا تـ لحُ من يبــ كي شــ بيبـ ته. . . . إلا إذا لــ ـ م يـ بـ كـ هـ ا بــ ـ دم

عيب الشبيبة غول سكرتها. . . . مـ قــ ـ دارَ ما فــ يها من النعم

لـ سـ نا نراهــ ا حــ ق رؤيتها. . . . إلا زمــ ـ انَ الـ شـ يب والهرم

كالشمس لا تبــ دو فضيلتها. . . . حتى تغشى الأرض بالظلم

ولــ ـ ـ رب شـ يء لا يـ بــ يـ نه. . . . وجــ دانـ ه إلا مـ ع الــ ـ عــ ـ ـ دم

وبعد فوات الأوان لا يجدي الندم، كما يقول الحكيم العربي: (الندم بعد الفوت حسرة وألم).

وفي هذا المعنى يقول الشا عر العربي:

عريت من الشبابِ وكنت غصنا. . . . كـ مـ ا يعرى من الورد القضيب

ونحت على الشـ باب بدمع عيني. . . . فـ مـ ا نـ فع البــ كاء ولا النــ حيب

فـ يـ الـ يت الشــ باب يعــ ود يــ ومًا. . . . فـ أخـ بـ ره بـ ما فـ عـ ل المــ شــ يب

وفي هذا السياق أنبه إلي أن لكلمة الشباب استعمالين: فهي تستعملُ كما عرفنا بمعنى مرحلة القوة والفتوة، والنضارة في حياة الإنسان.

أما الاستعمال الثاني لكلمة الشباب فهو أنها جمع شابّ، وهو من يعيش مرحلة الشباب، ولا شك أن الشباب بالمفهوم الثاني هم ذخيرة الأمة، وعنوان قوتها، وبناة مستقبلها، فهم "رجال الغد" الذين يتهيئون لتحمل المهام الصعبة، والمسئوليات الجسام، وإلى الشباب: رجال الغد يوجه الشاعر حافظ إبراهيم هذه الرسالة:

رِجالَ الغَدِ المَــ أمولِ إِنّا بِحــ اجَةٍ. . . . إِلى قــ ـ ادَةٍ تَبني وَشَــ عبٍ يُعَــ مِّرُ

رِجالَ الغَدِ المَــ أمولِ إِنّا بِحــ اجَةٍ. . . . إِلى عــ ـ الِمٍ يَــ ـ دعو وَداعٍ يُذَكِّــ ـ رُ

رِجالَ الغَدِ المــ أمولِ إِنّا بِحــ اجَةٍ. . . . إِلى عــ ـ الِمٍ يَــ دري وَعِــ لمٍ يُقَـ رَّرُ

رِجالَ الغَدِ المَــ أمولِ إِنّا بِحــ اجَةٍ. . . . إِلى حِكــ مَةٍ تُمــ لى وَكَفٍّ تُحَــ رِّرُ

رِجالَ الغَدِ المــ أمولِ إِنّا بِحــ اجَةٍ. . . . إِلَيكُم فَسُدّوا النَقصَ فينا وَشَمِّروا

رِجالَ الغَدِ المَأمولِ لا تَترُكوا غَدا. . . يَمُرُّ مُرورَ الأَمسِ وَالعَيشُ أَغبَرُ

رِجالَ الغَدِ المــ أمولِ إِنَّ بِلادَكُـ م. . . . تُناشــ دُكُــ م بِاللَهِ أَن تَتــ ـ ذَكّــ تَروا

عَلَيــ كُم حُــ قوقٌ لِلــ ـ بِلادِ أَجَلّــ ـ ها. . . . تَعَهُّدُ رَوضِ العِـ لمِ فَالرَوضُ مُقفِرُ

قُصارى مُنى أَوطانِكُم أَن تَرى لَكُم. . يَداً تَبــ تَنــ ي مَجــ ـ داً وَرَأسـ اً يُفَــ ـ كِّرُ

فَكــ ونوا رِجــ الاً عامــ لينَ أَعِزَّةً. . . . وَصونوا حِمى أَوطانِكُم وَتَحَرَّروا
 

الكاتب: د. جابر قميحة

المصدر: موقع إسلام ويب